امراءة بين ذئاب الحياة
ماذا سأفعل؟ إلى أين أذهب؟ بمن سأستجير؟ وكيف سأعود مجددا للبيت خالية الوفاض؟ كيف سأقابل عيونهم الحزينة وأياديهم الناعمة؟ ياإلهي عشرات المرات وأنا أعبر هذا الشارع, حفت قدمي من كثرة المشي, وتعبت عيني من كثرة السهر على آلة الخياطة, أتساءل إلى ماذا ستؤول الأمور بعدها؟ وأين كان كل هذا مخبئا لي؟ في أي داهية كان كل هذا مكوما ليسقط علي كومة واحدة؟ ليتني كنت أعلم أن السعادة لا تدوم والإستقرار لا يدوم والسلام لا يخلد طويلا فمهما طال الحب والسعادة والأمل ففي يوم لا محالة ستسقط تلك الستارة الواهية الشفافة التي تحجبنا عن المصائب وتحجب عنا لهيب الأوجاع, وعندها نكون وجها لوجه أمامها سنحاول الهرب والفرار لكنها بالتأكيد ستلاحقنا وتطاردنا سنجري بكل قوتنا إلى أن نتعب, وتكل أقدامنا, وعندها هي ستستغل الفرصة, فتنقض علينا انقضاض ليس بعده انقضاض,
ومع ذلك نتحلى بالصبر وننسى, لكني مهما حصل ومهما طال الأمد, لن أنسى أبدا تلك اللحظة التي أنبأني فيها محسن ذلك الصديق الوفي الذي قدم لنا يد العون حينها أن زوجي قد فارق الحياة, بعد تعرضه لحادت رهيب, لا زالت نبراته المكسورة تجلجل كياني ولا زال صدى كلماته يغزو أعماق نفسي الساحقة, كانت صدمة كبيرة لي خاصة في هذا السن, وخاصة أن لي أطفال كيف سأعيلهم؟ كيف سأنفق عليهم؟ كيف لامراءة متلي ربة بيت لم تكن تحمل هما في الدنيا إلا أن ترى أطفالها يكبرون بجوارها الواحد تلو الآخر أن تنسلخ عن عالمها لتقتحم عالم الماديات الذي لا يعترف بأرملة ولا بمسكينة؟ كيف لامراءة لم تأخد الا قصطا ضئيلا من التعليم ولم تتأهب إلا لمواجهة الحياة الزوجية والأسرية وتربية الأطفال أن تندمج في شغل محترم لا يخجل منه أبناؤها بعدها؟ كيف لامراءة محترمة ألفت أن تقابل بالإحترام داخل منزلها و خارجه أن تأتي الآن وتستجدي لتضفر بباب للرزق؟ وتقابل بالإزدراء وعدم المبالات من طرف المستخدمين, بعد أن كانت كل النظرات تلفها بالإحترام.
بائسة هي هذه الحياة التي حولتني من زوجة إلى أرملة, من سعيدة إلى شقية, تعيسة هي هذه الحياة التي حولت البشر من حولي من أ ناس إلى ذئاب جائعة, تترصد اللحظة المواتية حين أسأم من الحياة, ومن كل الأبواب الموصدة في وجهي لتفتح لي بابا مواربا تم تطعنني من الخلف وتنهش عرضي الذي استباحه الجميع, غريبة هي هذه الحياة التي ستدفعني لأي شيء مهما كان مذل أن أمسح الأرضيات أن أكنس تحت أرجل الأسياد, أن أنظف القدارات وأن أتعلم لغة الرجاء والتوسل, لأرجع بعدها للبيت في يدي طعام أسد به جوع أطفالي واللقمة التي سآكلها أقدمها لهم بكل رضى وبكل حب متناسية شقاء اليوم بطوله وأنا أحضنهم وأداعبهم وأأمل لهم بغد أفضل.
وبعد كل هذا أتساءل أستأتي المسرات تباعا كما تأتي دوما المصائب تباعا؟ لا أدري, ولم أعد أريد أن أدري, ليتني أكف عن التفكير وأكف عن ترقب المصائب والأحزان وكأني ألمحها خلال تقوب الستارة الشفافة التي تقبع خلفها وكأني أقول لها تعالي هلمي إلي فأنا خير ملاد لك, أتركي كل الناس في سعادتهم وآمالهم وتعالي لي لأني لن أخسرشيئا ولن أربح شيئا بإضافتك إلى رصيدي الكبير.