| حكايات من ضيعتنا | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
ريم بدر الدين رئيس مجلس الإدارة / كاتبة
المساهمات : 26 تاريخ التسجيل : 07/11/2007
| موضوع: حكايات من ضيعتنا السبت يونيو 06, 2009 2:46 am | |
| صباحات ضيعتنا
عند بزوغ الشمس في الأفق الشرقي من القرية يبدأ النور بالتسلل رويدا رويدا إلى بساتين القرية و حواكيرها و ينفض عنها إسار النوم و الدعة غير أن بيوتات القرية قد استيقظت منذ مدة و ابتدأت بركة نهارها بصلاة الفجر و فطور بسيط غني لمن أراد المضي إلى حقله صباحات القرية ندية مشبعة برائحة البكارة و الطهر ،رائحة الأشياء الأولى يبدأ الطريق بالظهور بعد أن كان مغمورا بسواد الليل و في ذات اللحظة تظهر ذوائب الأشجار في البساتين كانت البيوت مبنية من طين ،نفس تركيبة الآدميين لهذا كنا نستشعر تنفسها،حركاتها و سكناتها و عند أول زخة مطر تغتسل و نشم منها رائحة الأرض عند بزوغ أول ضوء كانت تحلو لي رؤية النساء يحملن قففا من العجين المتخمر طوال الليل و هن ذاهبات إلى التنور و كل مجموعة بيوت لها تنور خاص بها يحملن في قفف العجين نفسها صحون الزيت و الزعتر و الجبن القريش و الشاي الشاي بحد ذاته رفيق كل الفلاحين و النساء و الأطفال و الأفراح و الأتراح إنه مناسبة احتفالية و لها طقوس خاصة هناك أحسب نزهة على التنور....! بين قيظ التنور و حكايات الجدات و العمات و الخالات تمتد المسافات شاسعة و أنت ترتحل في عالم الأساطير المنسوجة بخيالهن البكر الذي لم تلوثه المدنية بعد..... عندما يمتد الضياء و يغمر كل حجر في القرية تكون النساء قد أتممن مهمة الخبيز و يعدن إلى بيوتهن بنفس القفف و قد أترعت خبزا طازجا و رائحته و لا أحلى ينتشي الطريق بغناءهن الشجي الذي يتناول أكثر ما يتناول الحب الحزين الفتيات في البيوت أتممن عمليات ترتيب المنازل و تنظيفها في الأيام التي لا خبيز فيها كنا نتسلل من الباب الخلفي للبيت و قبل أن يبزغ الضوء أو تلمحنا عين رقيب من أهل ونتقافز في درب البستان لنكتشف العالم في لحظة ولادة هناك يغمرك الإحساس بالجمال و الروعة و يغذي الفكر بمعين من متعة بصرية سأحملها حتى قبري فيما أظن عندما نعود من نزهتنا المختلسة نجد أن الأهل قد عرفوا بغيابنا و أعدوا لنا عدتهم من لوم و تأنيب هذا اللوم لا يمنعنا من تناول فطورنا بنهم و تلذذ!! صباحات قريتنا دوما عامرة بالألق و الحياة و لكنها أكثر ما تكون ألقا عندما يحتفل أحد من العائلة (القرية كلها من عائلة و احدة ) بعرسه يكون الصباح مترعا حتى الثمالة بزغاريد النسار و هن في دربهن إلى بيت العرس و تعتلي رؤوسهن صواني من الأرز النيء الأبيض و قد زينت الصواني بالورود و الفواكه عنب ...رمان...،ورد جوري....،بندورة ،خيار ..... تأتي النساء بهداياهن هذه ليحملوا مع أهل العرس كتفا ؟لأن احتفال العرس وليمة في قريتي عندما تعانق اشعة الشمس ذؤابات الاشجار ينطلق صباح جديد في طرقاتها تماما كطفل صغير اشتروا له دراجة جديدة فانطلق بها غير عابىء بشيء
| |
|
| |
ريم بدر الدين رئيس مجلس الإدارة / كاتبة
المساهمات : 26 تاريخ التسجيل : 07/11/2007
| موضوع: رد: حكايات من ضيعتنا السبت يونيو 06, 2009 2:48 am | |
| مساءات ضيعتنا يأتي المساء وئيدا.تلمح خطوه من إسراع النسوة إلى لم الغسيل من فوق الأسطح خشية أن يداهمه الليل و من ثم يغطيه ندى الفجر تلمحه من تنظيف قناديل الزيت فالكهرباء لما تستكمل بعد مقومات وجودها هنا و قذ ينقطع التيار مع أول هبة ريح أو زخة مطر تلمحه من سلام أبي علي على لداته حين يواعدهم على اللقاء في مضافة القرية ليسهروا سويا كما في كل يوم و ينشر اليل عباءته السوداء رويدا رويدا حتى تختفي البساتين و الطريق و لا تلمح إلا أنوار شاحبة تنبعث من نوافذ البيوت الطينية ... في مجلس الرجال حكايات و سمر و مناقشة لهموم القرية و سرد لنكات لا تكون بريئة في كل الأحيان ،و حكي عن مراجل(بطولات) قاموا بها في السوق و البستان وفي بيوتهم و من ثم يلعبون الداما و طاولة الزهر و الشطرنج و ضحكاتهم ترن في أرجاء المضافة فأبو علي يغش في اللعب و أبو سليمان مستاء لأن دور الشطرنج انتهى بكش ملكه. أما مجلس النساء فبعد الشاي الطقس الأول في كل المناسبات تأتي حلويات صنعنها بأيديهن كقطائف القشدة و الجوز و العوامة (في مصر اسمها لقمة القاضي) ثم تتوالى الحكايات عن الطبخ و الأولاد و الأزواج و كل واحدة منهم تستعرض براعتها في تربية الطفل و رعاية المنزل و الحقل و مراوغة الزوج ثم يسود صمت قصير تقطعه إحدى المتخابثات بالحديث عن ذاك العالم عالم غامض ...كله جنيات و ساحرات و حيوانات متوحشة أتت من جبال تحيط بالقرية تحكي أم محمد عن الجنية التي رأتها تجلس على طرف فراش زوجها و تحكي أم عادل عن الجنية التي تظهر لها خلف البيت و التي تأخذ في كل مرة شكلا لأحد معارفها ،مرة عمتها ،و مرة سلفتها ،و مرة أخرى جدها الذي توفي منذ عشرين عاما تحكي أم علي عن الدب الذي خربش على حديد نافذتها في ليلة ثلجية باردة و كانت لوحدها لأن زوجها كان في مناوبة عند زوجته الأخرى تحكي أم سليمان عن الضبع الذي لحق زوجها أثناء رعيه لغنمه و بعد أن أطلق طلقتيتن من بارودته هرب الضبع و اختبأ في مغارة منتظرا فريسة لا تحمل بارودة و تحكي أم جمال عن الصاعقة التي أصابت شجرة كانت تمر بقربها و كادت أن تسحقها وتصيرها خبر ا كل هذا الحديث يدور و يبذر في قلوب الأطفال الحاضرين هلعا يجعل من الذهاب إلى بيت الخلاء مغامرة غير مأمونة العواقب ترتعد فرائصهم من أي صوت آت من الخارج فربما كان دبا،ضبعا أو جنية عندما تفرغ جعبة هؤلاء النسوة من القصص و الحكايات و تفرغ جعبة المصباح من زيته ينفضن أثوابهن معلنات أنهن لم يستغبن أحد و يتواعدن على اللقاء غدا في البستان أو على التنور أو أمام الدور أو في عرس عائشة ابنة الجيران و لكنهن ما إن يفتحن الباب حتى يتذكرن كل الحكايا المرعبة فيركضن هرولة في اتجاه بيوتهن إلا أم محمود فإنها تطلب من أم سليمان التشفع لها عند زوجها لأنها تأخرت في السهرة أما الرجال فتمتد سهرتهم إلى العاشرة ليلا ثم ينصرفون كل إلى بيته ليتم سهرة واجبة عليه مع زوجة تنتظره مساءات قريتي يشغى فيها الحكي و الطعام و الحب و الخوف من المجهول أو الخوف فيما يقع وراء النظر و السمع | |
|
| |
ريم بدر الدين رئيس مجلس الإدارة / كاتبة
المساهمات : 26 تاريخ التسجيل : 07/11/2007
| موضوع: رد: حكايات من ضيعتنا السبت يونيو 06, 2009 2:52 am | |
| بساتين ضيعتنا ...صيفا
هي ليست أجملهن و لكنها برأيي الأجمل ،هي ليست أكبرهن و لكني أرى العالم من خلالها ،هي ليست الوحيدة لكنني أراها متفردة . على سفح تلة منخفضة تقوم قريتي في الجزء الجنوبي من دمشق تصعد بنا السيارة هذه التلة و تمر بنا خلال طريق اصطفت على جانبيه أشجار السرو استقبالا للقادم ووداعا للمغادر. حدودها تبدأ بنهاية قرية و تنتهي ببداية قرية أخرى و فيما بين البداية و النهاية تتوزع الحقول و البيوت بساتين قريتي حافلة عامرة في كل الفصول ،حتى في فصل الاختباء و التواري ،العواصف و الأمطار هناك تحت التربة حياة سرية نشطة استعداد لتلاقح البذور بمطر السماء المتغلغل في عمق الأرض و لو قيض لك أن تضع أذنك على التربة لربما سمعت أصواتا و طقطقة و اهتزازات . أما عندما تمشي الغدران ،تزرق السماء ،تخضر الأرض و ترتدي الأشجا ر أقراطها البيضاء و الزهرية يكون هذا إيذان بمقدم من لا يحتاج إذنا ،يزرع دفئا و جمالا أينما حل ..إنه الربيع تأتي مع الربيع حاشيته الكبيرة زهر المشمش وزهر الدراق و زهر التفاح ،تمتلك هذه الحاشية أجمل العطور و أغلاها ..عبق الإزهار يفرح الجميع بهذا القادم حتى الجوزة العتيقة بجانب الباب تتأود فرحا . عندما يشتد أوار الشمس تبدأ الأزهار بالاستحاله إلى ثمار شهية هذا التداخل بين الربيع و الصيف لا يترك لك مجالا لتفكر أيها تحب أكثر يبدأ أوان القطاف ،قطاف المشمش مع أول خيط أبيض للضوء ننطلق إلى البستان –ليس خلسة هذه المرة- لأن هناك احتفالية بالقطاف البساتين تشغى بالعمال و العاملات يقطفون الثمرة اللذيذة الحلوة و يرصونها في صناديق خشبية الزوادة رفيق البساتين الأبدي ،جبن و مشمش و خبز عند الساقية الثرثارة و بعدها يعد عمي أبو خالد شايا تحت الشجر. ما أجمل هذه اللحظات الخضراء الوارفة في فصل القطاف نمضي جل وقتنا بين الحقول ،ننتقل من حقل لآخر نتفقد أيها أكثر جمالا و كرم أصحابها يغرينا بتفقد حقول أخرى ..... في حقل عمي أبو علي نجلس بجوار البئر و نقتسم ما منحنا إياه أصحاب الحقول من الثمار النضيجة نذهب لحقل عمي أبو عارف فهناك يفصل بين جزئي الحقل ممشى ترابي تتقابل الأشجار مؤدية لبعضها أو للمارين فوق الممشى تحية ملكية هنا يحلو للمتنزهين من أهل المدينة أن يحطوا رحالهم ...يطبخون طعامهم أو يعدون شوائهم ..يلعبون يغنون ثم عندما تبدأ الشمس رحلة الإياب اليومي يلمون عدتهم و يرحلون في بستان عمي أبو محمد يقابلنا عمي و يشوي لنا ذرة و نشرب من الساقية عنده ..ماءا نميرا هذا كله في بساتين القرية أما إذا تركت الطريق يقودك فسوف تصل إلى آخر قريتنا وحدود القرية الأخرى ..هناك مفاجأة...! أجمل شيء لم تره في كل القرية .بستان خالتي أم ابراهيم ...صلة الوصل بين قريتين أو عالمين مرة هربنا من حفلة عرس فقد صارت طقوس العرس مكرورة معروفة لدينا كنا أربعة فتيات لدات ،مشينا على الطريق إلى أن بدأت أصوات زغاريد الفرح و الغناء تنوس قليلا قليلا حتى اختفت تماما تركنا لأرجلنا العنان في مشي هادىء متمعن كلما أوغلنا في المشي اكتشفنا سحرا أكبر .... كنا كالمسحورات بهذا الجلال.....بهذا الهدوء الأخضر وصلنا إلى بيت وسط حقل تبدو عليه مخايل النعمة .... قابلتنا خالتي أم ابراهيم و كأنها ملاك خارج لتوه من النعيم ،كانت تعشب في حديقة منزلها وتتفقد مزروعاتها دعتنا إلى فطور فقبلنا الدعوة –هنا من العيب رفض دعوة- جلسنا على كراس قشية لا مساند لها و أحضرت لنا طبقا قشيا رصت عليه أطباق طيبة من خيرات الأرض استدرنا لنواجه الطعام فباغتنا منظر أكثر إشراقا من كل ما رأيناه .حقل جيرانها –من القرية المجاورة- كانت مساحة خضراء لا متناهية لا أدري كيف استطعنا أن لانحدق كثيرا انعقدت الدهشة على الألسن فهتفنا جميعا : ما شاء الله.....! صحبتنا خالتي أم ابراهيم إلى حقل جيرانها ،لم نحتج إلى جواز سفر للانتقال بين القريتين....! .كانوا يقطفون ثمار الفراولة ،كم كانت حمراء،شهية و لذيذة
عندما رنقت شمس المغيب أدركنا كم تأخرنا فتعهد عمي أبو ابراهيم بإيصالنا على عربته إلى البيت بينما نحن في العربة رأيت أرواح كل من عشق هذا الجمال.... لكأني بكل من مر في هذا السحر الأخضر انتحل صفة فراشات الليل المضيئة التي تقدم في أول ليل الصيف تصدر أزيزها قد يزعج البعض ،ربما .... موسيقى الليل لا تزعج أحدا ،إنها موسيقى الصمت الجميل يصبح الكلام هنا نافلة أما الفرض فهو الصمت....
| |
|
| |
ريم بدر الدين رئيس مجلس الإدارة / كاتبة
المساهمات : 26 تاريخ التسجيل : 07/11/2007
| موضوع: رد: حكايات من ضيعتنا السبت يونيو 06, 2009 2:54 am | |
| شـتـاء ضـيعـتــنا
شهر آب يسمى في قريتي اللهاب و يسمى أيضا طباخ العنب و التين حيث يتم نضوج هاتين الثمرتين المقدستين المذكورتين في القرآن الكريم كفاكهة للجنة الغريب ما يقولونه بعد وصف آب باللهاب :روائح الشتاء فيه عندما يقطف العنب و يستحيل خلا في القوارير أو زبيبا و يقطف التين و يستحيل مربى في آنية تصطف بزهو و خيلاءعلى أرفف بيت المؤونة عندها فقط يبدأ فصل آخر من العام تبدأ الأشجار بخلع ملابسها التي أضحت صفراء بفعل حرارة شمس الصيف ....... عندما تعرى تماما وتبقى أيديها مرتفعة بالدعاء إلى رب الأكوان مستمطرة الماء الزلال اللازم للغسيل السنوي ترى الماء ينسرب على كل جزء من الشجرة غاسلا غبارالصيف الجذور تحصل على كمية إضافية ليست للغسيل وإنما للغذاء بعد أن نهلت بحبالها السرية من رحم الأرض طيلة الصيف تبدأ النساء بإعداد البيوت للفصل الذي يقرع الأبواب بتنظيف البيوت و فرش السجاد على الأرض توضع مدفأة الحطب في وسط الغرفة كضيف كريم عزيز بعد أن أهمل لشهور في عتمة السقيفة تظهر أمام الباب أكوام من جذوع الأشجار لتصبح في ما بعد طعاما لنار المدفأة فصل الشتاء في قريتي قارس جدا إذ أن جبل الشيخ يشرف عليها (سمي الجبل بالشيخ لأن الثلوج تغطي قمته طوال الشتاء و حتى أواخر الربيع). مدفأة الحطب يبدأ أوارها مع أول مطرة و يظهر فوقها ابريقا ن واحد لإعداد الشاي و الآخر للتزود بالماء الساخن طيلة النهار ....مصب القهوة العربية أيضا حاضر فوق المدفأة لتأكيد الهوية الملل هنا يفرد قلوعه لأن الفلاحين في أغلب الوقت حبيسو البيوت بعد أن انتهت مواسم القطاف و الحصاد و البذار و من الصعب الخروج إذ أن المطر غزير و في بعض الأحيان تعيق الثلوج الحركة حتى فيما بين الغرف داخل المنزل (باحات المنازل كلها مكشوفة) يمكنك أن ترى حبال المطر أو ندف الثلج من خلال النافذة و أنت جالس بجوار المدفاة حامدا الله على نعمة الدفء و الوفرة يمكن تسمية هذا الوقت بالفرصة السنوية لتناول الطعام بدون توقف يمضون أغلب الوقت يتسلون بالأكل و أشياء أخرى لذلك يذخر بيت المؤونة بأنواع مختلفة من المربيات :مشمش،تفاح،نارنج،يقطين،كباد،باذنجان،تين، كرز.....وكل أنواع الزيتون و أنواع مختلفة من الأجبان والقمح و السكر و الشاي و الخضار المملحة و الأخرى المجففة ....... الكهرباء في الشتاء غالبا مقطوعة لذا مصباح الزيت رفيق الشتاء تتراقص ظلال لهبه على حيطان الغرفة و كما تدخر النساء الطعام لفصل الشتاء يدخرن الحكايا لترويها في الأمسيات و تزيح بعضا من الرتابة زوجة ماجد وضعت توأما بنتا و ذكرا و أخت سعيد خطبت و ستتزوج في الصيف المقبل و موسم أبي جاسم كان وفيرا فبدل أثاث منزله ......و ......وسمعت أنهم في المدينة يتسلون بجهاز اسمه التلفاز يظهر فيه رجال و نساء يكلمون الناس و يحكون الحكايات ......هكذا تمضي الليالي عندما تتوقف الأمطار أو الثلوج ليوم أو يومين يسارع الرجال إلى الحقول لتفقدها و لأخذ طاقة من حرية بعد أن كانوا أسارى البيوت لفترة طويلة و تأخذ النساء فرصة لتزور بعضهن بعضا و يتزودن بالحكايا و القصص لأيام احتباس مقبلة | |
|
| |
ريم بدر الدين رئيس مجلس الإدارة / كاتبة
المساهمات : 26 تاريخ التسجيل : 07/11/2007
| موضوع: رد: حكايات من ضيعتنا السبت يونيو 06, 2009 2:56 am | |
| في بيوت ضيعتنا ..بيت المؤونة وحيث كنا في الضيعة نعايش شتاءها حبيسي البيوت بينما في الخارج تهطل الأمطار و تقصف الرعود و تلمع البروق كان لا بد من البحث عن مساحة لنا خارجة عن مجهر الأهل المتواجدين معنا بشكل مستمر على مدار الساعة كان لا بد أن ننطلق في الدار لنقوم باستكشاف مالم نكتشفه قبلا في الشتاء نستطيع ممارسة هذا الطقس لاتساع الوقت بينما الصيف بشرفاته المفتوحة يغرينا دوما بالانطلاق الى البساتين و الحقول نقضي فيها جل نهارنا و برهة من ليلنا و بعدها نعود إلى البيت منهكي القوى خائري العزيمة لاتكاد أيدينا تقوى على تناول العشاء و قد يداهمنا النوم قبل اللقمة الأخيرة غير أننا هنا و الوقت شتاء و الثلج سربل الارض بغطاءه الابيض و الحركة متعذرة في باحة الدار فمابالك بالحركة خارج البيت؟ عادة يجلس الجميع في المضافة التي تعتبر غرفة جلوس كبيرة تحتوي كل نشاطات الاسرة من طعام و سمر و دراسة و تسلية و أعمال يدوية تقوم بها السيدات من حياكة و خياطة و تطريز بمعنى أخر نحن تحت الانظار دوما لا تصدر عنا نأمة أو حركة إلا و العيون مسلطة باندهاش حينا و، بسرور حينا، وأحيانا كثير تلوم و تتوعد إذا ساستطلع المكان لتقودني قدما اللاشعور الى بيت المؤونة غرفة كبيرة على جدرانها ثبتت أرفف طويلة و عليها تتربع آنية الطعام المحفوظ كلها من مربيات مختلفة و أجبان و أنواع الزيتون و الخضار المملحة و تزين الجدران أيضا بعض الاعمال اليدوية الملونة صنعتها ربة المنزل لتجفف الخضار في عقود و أطواق كالبامية و الباذنجان اليابس و هي في انتظار غمرها بماء ساخن لكي تعود للحياة مرة أخرى في زاوية بيت المؤونة يقوم الكانون و هو فرن حجري مستعر طوال النهار مما يجعل بيت المؤونة أكثر الأماكن دفئا في البيت كنا نهرب إلى بيت المؤونة تذرعا بإعداد طبق من الحلوى أو إبريق من الشاي و لكن السبب الحقيقي هو الحصول على فسحة من الوقت و المكان لنتكلم بعيدا عن أعين الاهل و أسماعهم كي نناقش و نبوح بأسرار ساذجة تدخل في إطار التابو حينذاك أجمل ما في بيت المؤونة هو الهرب لوحدك و معك كتاب ما ، تعد كوبا من شاي و بعضا من نقولات و مكسرات و حلويات أتذكر في هدوء المكان كونوفالوف صانع الخبز البارع في مجموعة غوركي هنا تكلمنا، تشاجرنا، غنينا، ربما رقصنا ،تبادلنا النكات ، شربنا الشاي.......... و هنا أيضا قبضت علينا عمتي و نحن نضع إناء المربي الكبير في وسط حلقتنا و نحن نلعق المربى بأصابعنا و يالهول العقوبة | |
|
| |
ريم بدر الدين رئيس مجلس الإدارة / كاتبة
المساهمات : 26 تاريخ التسجيل : 07/11/2007
| موضوع: رد: حكايات من ضيعتنا السبت يونيو 06, 2009 2:58 am | |
| شخصيات من ضيعتنا
سناء في عينيها زرقة السماء و في غدائرها ذهب الشمس بضة ريانة..فتاة عندما ترتدي فستانها الأحمر المفوف بالأزاهير يخال المرء نفسه قد ولج في حديقة مزهرة سناء فتاة تتقن كل أعمال المنزل من ترتيب و تنظيف و طهو و غسيل و أعمال يدوية تجمل البيت ليستقبل في المساء القادمين من البستان سناء هادئة رزينة و عندما تمشي لا تكاد تسمع وقع خطواتها طرق الحب بابها عندما أتى عمها أبو سعيد ليخطبها لابنه سعيد شاب درس في المدينة .أنيق و حلو اللسان ،وهو في الحقيقة معقد آمال كل بنات القرية غبطت سناء نفسها على سعادتها يوم أن خاصر بنصرها الأيمن خاتم سعيد رقصت أفراح قلبها و هي تعد عدة الزفاف من ملابس و لوازم بيتية و مطرزات و بياضات
جاءت الأيام المنتظرة –أفراح قريتي تستمر أياما في العادة- في اليوم الأول أتت لداتها و قمن برسم الحناء و نقشها على يديها و رجليها ...رقصت الفتيات وغنت حتى ذبل الليل و نام متكئا على يده و هو يراقب الفراشات الراقصات في اليوم الثاني ..جاءت نساء القرية كلهن صغيرات و كبيرات ليسهرن عند العروس فغدا منذ الصباح تبدأ مراسم الزفاف .... سهرن أيضا حتى وجدوا القمر مستلقيا على سطح الدار من شدة الإعياء الذي لقيه و هو يرامقهن خلسة في اليوم الثالث زينوها و ألبسوها الفستان الأبيض و عند المغرب رافقنها إلى بيت أحمائها سيرا على الأقدام سناء نهلت من السعادة عاما كاملا , أنجبت في نهايته فتاة جميلة سناء نهلت عاما آخر من السعادة .ثم أنجبت ابنا صبيا ..كان مريضا مريضا بمرض لا برء منه ،شلل كامل يكتنف كل أطرافه سناء تحملت و احتسبت و صبرت و أنجبت ابنا مريضا آخر كلما صادفها أحد في طريقه ابتسمت برضا لا تجدها إلا في عيون من عرف الله مات الابن الكبر و تبعه أخوه سناء الآن في الثلاثينات و لكن جمالها ذوى و آمالها صوحت و انطوت
هدى في سمرتها قمح الحقول خفة دم متناهية و مشاغبة لذيذة أينما حلت تزرع ضحكة..تروي نكتة ..تحكي قصة ..تطبع ضحكتها في ذاكرتك مثل أترابها ،هدى تتقن كل أعمال المنزل و الحقل في حفلة عرس اصطادتها حماتها خطبتها إلى أهلها فأخطبوها عندما رأت عروسها لأول مرة فتنها جماله و لون البن في بشرته بعرس كبير بدأت حياتها الزوجية مضى عام ..عامان..أعوام بلا أطفال..! في عرف القرية هذا مثلب كبير ،المرأة العقيم كالشجرة غير المثمرة قطعها حلال ..هكذا يعتقدون لم ينظروا للشجرة من الجهة الأخرى ،نفس الشجرة يتفيئون بظلها تحملت كثيرا من نظرات اللوم و العتب و تحملت بعدها التصريح بنقصها عن بقية النساء في النهاية سلمت بقضاء الله ..اتكلت على الله ...خطبت عروسا لزوجها أنجب خمسة أبناء من الزوجة الجديدة .. ساعدت ضرتها في تربية الأطفال و هم ينادونها :ياما بين تيهها بصباها و دلالها و بين غبار السنوات المتراكم تستمر هدى في حياتها
القابلة امرأة مربوعة القامة في العقد السادس من عمرها تلبس لباس النساء التقليدي المكون من ثوب مشجر بألوان زاهية غالبا و فوق قسمه الأسفل تنورة سوداء أما غطاء الرأس فهو من القماش الأبيض المطرز تحمل في يدها عدة الولادة كل طفل في القرية صرخ صرخته الأولى عندما ساعدته هي بالخروج من رحم أمه كل طفل في القرية بشكل أو بآخر حفيدها هي ليست فقط قابلة و إنما تغسل الأموات من أجل تطهير الجسد لإتمام طقوس الرحلة الأخيرة تتولى طقوس الولادة و الموت و هذا لعمري تناقض أو ربما تجانس الغريب في أمرها أنها لم تتزوج أبدا لم تجرب مرة واحدة آلام الولادة لم ينادها طفل من رحمها بكلمة ياما كل أطفال القرية يقولون لها :عمتي أو ستي أظن أنها لو تزوجت و حملت فلن تجد من يساعدها في الولادة لأنها القابلة الوحيدة لكن عند رحيلها وجدت ألف يد رحيمة بها تطهر جسدها في رحلة النهاية
عمي أبو محمد رجل ثري يملك أراض كبيرة في القرية أبناءه أيضا كثر ،ثلاثة من الصبيان و ستة من البنات زوجته امرأة عفية قادرة .تدير كل شيء و لكن من خلال صورة زوجها تشتري و تبيع و تحلب أبقارها و تعشب حقلها و تستأجر العمال و تزوج الأبناء و البنات هي مملكة أشبه بمملكة(فاطمة ثعلبة ) في رواية (الوتد) لخيري شلبي في ليلة ما و بعد أن أكملت كل مهماتها نامت و لكنها لم تستيقظ أبدا بعد موتها انكسر داخل عمي أبي محمد جدار كبير ،شرخ كبير أدى إلى انهدامه لم ندر كم شكلت له هذه المرأة من كيان حتى رحلت طوال عمره شكا من تسلطها و سيطرتها عليه و لما ماتت لم يستطع أن يعيش بدونها كنت أراه كطفل هائم يبحث عن أم أضاعها في الزحام بعد موتها بفترة وجيزة أصابه سرطان في الحنجرة لفرط التدخين فاستأصلوها صرت تسمع حديثه قرقرة و تفهم ما يريد من تعابير وجهه و حركات يديه في يوم ربيعي مشمس فاضت روحه إلى بارئها و على وجهه ابتسامة كبيرة كان على موعد للقاءها ،في عالم آخر!! | |
|
| |
ريم بدر الدين رئيس مجلس الإدارة / كاتبة
المساهمات : 26 تاريخ التسجيل : 07/11/2007
| موضوع: رد: حكايات من ضيعتنا السبت يونيو 06, 2009 3:01 am | |
| نستأنف بعد هذا الفصل
كل ما كتبته عن قريتي كان من مؤونة الذاكرة البصرية و السمعية كان حصيلة زياراتي الشتائية و الصيفية لقريتي و التي لا تستمر أكثر من أسابيع عدة كان نتيجة ما اختزنته في طفولتي من جمال و بهاء في قريتي زرتها بعد انقطاع دام عامين أو ثلاثة ..لا أذكر كنت أريد التوثيق لبعض الامور حتى أتابع كتابة سلسلة عن هذه القرية التي تحدر منها والدي كنت أريد أن أسأل الكبار عن تفاصيل القرية الصغيرة التي لم يدركها عقلي الصغير في تلك الفترة من الزمان وصلت للقرية و للأسف كان هناك جنازة و مأتم و جو الحزن يغطي القرية انتهى المأتم و أنا ما أزال هناك و لكنني دهشت و صعقت لم يعد أي شيء كما كان كل شيء لوثته المدنية و التحضر و المظاهر الخادعة اختفى الشجر و جف النهر و زحفت المباني على أراضي القرية الزراعية كان من الصعب علي أن أرى الممشى الذي يؤدي تحية ملكية و قد اجتثت أشجاره آلمني منظر جذع شجرة الحور المقطوعة بجانب بئر الثرثرة و الهمسات بستان القمح الواسع تضاءل ليصبح مسكبتان من القمح و حوله الارض جرداء قاحلة النهر جف ....و بات مجراه خاويا عبثا كنت أبحث عن صوت قدمي و هما تلعبان بماءه و ترشان بقية الاصحاب الأصحاب اختفوا أو استخفوا لا أدري أين وقفت أراقب الشروق و أرى طفلين أو مراهقين يعدوان في درب البساتين لمراقبة ولادة اليوم فجأة تشوشت الصورة و ماتت لم يكن حزن المأتم هو الذي أراني القرية بهذا الشكل ،بل الحقيقة لا غبار عليها حاولت أن أعود أدراجي إلى مرفأ الذاكرة علّي أسترجع بعضا من صور حلوة ماضية و لكن يالدهشتي انتسخت الصور و حلت محلها صورة الحاضر كعملاق يخفي أو يبتلع كل جمال في بطنه الكبير لم أعد أرى أي جمال حتى حشرات الليل المضيئة لم تعد كما كانت ......لم تعد تأتي لم أسمع هناك صوت السكون الذي تعودت عليه انتقال حاد و مؤلم ما بين الماضي و الحاضر هذه مرحلة من مراحل احتضار روحي على ما أظن كان في ذهني أن أكتب عدة فصول عن مأتم القرية و رمضان في القرية و العيد و الولادة و تاريخ القرية العريقة و لكنني الآن قررت التوقف لأن الصدمة كانت أكبر من أتحملها و لأن الشق الذي تجذر في الحائط أكبر من أن يربأ
كل الشكر لمن أعاد لي ثقتي بالقرية وجعلني أكتب الفصول القادمة من جديد | |
|
| |
ريم بدر الدين رئيس مجلس الإدارة / كاتبة
المساهمات : 26 تاريخ التسجيل : 07/11/2007
| موضوع: رد: حكايات من ضيعتنا السبت يونيو 06, 2009 3:05 am | |
| شخصيات من ضيعتنا (2) العمة عائشة
كان يوما ربيعيا رائعا.استقلت العائلة السيارة و مضت في طريق شجري مورف الظلال،لم تمض سوى نصف ساعة أو أكثر بقليل حتى وصلنا ، كانت وجهتنا بيت العمة التي تسكن في قرية تجاور القرية التي ولد بها أبي. أمام البيت المتكون من غرفتين و بستان واسع وقفت تلك المرأة العفية ،المائلة نوعا ما إلى البدانة ،تلبس ثوبا مشجرا زاهي الألوان و غطاء رأس أبيض مطرز،بابتسامتها العريضة المرحبة استقبلتنا .نزلنا من السيارة فانهالت علينا المراحب و التحايا: أهلا و سهلا ..شرفتم..أطلتم الغياب. هي العمة الكبرى ،امرأة أمية لا تقرأ و لا تكتب ،.متميزة مع هذا بكل شيء مبدعة جسورة ..تخيط الثياب و تعنى بالحقل و تدير شؤون البيت باقتدار لا يجاريها فيه أحد رابطة الجأش و حازمة ... يروون أنها كانت تخيط الثياب في غرفتها ذات ظهيرة قائظة فلمحت ثعبانا ضخما يلتف على قضبان حديد نافذتها فما كان منها إلا أن وقفت بهدوء شديد ،تناولت مجرفة و ظلت تضرب الثعبان على رأسه حتى خر صريعا ،ثم بهدوء أكثر حملته ووضعته في قفة و رمت به في الحرش! سمعت أيضا أنها كانت تحمل غمر العجين و تمضي للتنور قبل الفجر لوحدها ..في وقت كانت البيوت متباعدة و الليل بهيم و الطبيعة الوحشية في الليل تخيف أكثر الرجال إقداما،فلا أضواء تعمر الطرقات و قصص الجن و الأشباح هي المتداول الشائع بين الناس،لكنها لا تأبه بذلك البتة .ترى من أين أتت بهذه الجسارة؟ أتت بها عندما ولدتها أمها بكرا أنثى في مجتمع قبلي يعتبر هذا جريمة لا تغتفر، أو أنها أتت بها من زواج في الثانية عشرةمن عمرها؟ عاشت مع زوجها خمس و عشرين عاما دون أن تنجب و هذا أيضا من أسباب جسارتها إذ تحملت نظرات الناس القاسية لها كشجرة لا تثمر؟ بعد خمس و عشرين عاما ،جاءها زوجها بضرة ولود سبق لها الزواج و ذلك لضمان خصوبتها و قدرتها على إنجاب كم من أبناء منتظرين .و بعد أن كانت العمة عائشة سيدة الغرفتين و البستان ،أضحت سيدة المطبخ!! انتقل أثاثها و ثيابها إلى المطبخ و ذلك ليتسنى لضرتها العيش بهناء و راحة لإنجاب الأبناء غير أنها لم ترض بهذا الضيم فما كان منها إلا أن طلبت الطلاق و حصلت عليه وسط لوم الأقارب و الأباعد ،فكلهم يعتقد أن عليها أن تحمد ربها آناء الليل و أطراف النهار كون الرجل أبقاها زوجته و هي تستهلك و لا تنتج فلا ضير إن سحب منها بعض الامتيازات! عادت إلى بيت أهلها و لكنها لم ترض أن تكون عالة على أحد ،عملت في الخياطة و صارت تملك ناصية أمرها و قرارها . كانت تتمتع بشخصية قوية لا مثيل لها و يكفي أن تترك نفسك لها لتأخذك في رحلة ،نزهة ،أو حتى زيارة للسوق،لترى إنسانة ذكية جدا تحفظ الأماكن و الأرقام بسهولة و من الصعب أو حتى المستحيل خداعها رغم أنها أمية و لتغرف من كرمها و جودها أكثر جمال لها كنت تراه عندما تداعب طفلا ،.ترى ينابعا من حنان تتفجر لديها ،الأطفال كانوا بدورهم يأنسون جدا لها. هدّ قواها مرض السكري و كانت تحتاج يوميا لحقن الانسولين غير أن خطيئتها كانت انعدام مناعتها أمام السكاكر، من هنا أتت أيضا بجسارة أخرى و لكنها جسارة مقارفة أكل السكاكر و الحلويات ،برعت في إخفاء علب الحلويات و ألواح الشوكولا و زجاجات المربى و ما شابه .كل مرة ترتفع عندها نسبة السكر في الدم ،تقول أنها لم تتناول شيئا! حس الفكاهة لديها كان عاليا جدا لك أن تسمعها و هي تروي حكاية قديمة مضحكة ثم تتلوها بضحكة مجلجلة ،لو نظرت إلى إنسان عينيها لرأيته يضحك أيضا . و بالرغم من هذا كانت حساسة جدا و على الذي يتعامل معها أن يكون حذرا كما يمسك بالبللور الشفاف خوفا من كسره تفاقم عندها مرض السكري و بقيت في المشفى مرات كثيرة و أخيرا بتر جزء من إحدى قدميها ،عندها أمست بحاجة لعون بناتٍ لسن ببناتها كانت لهن أما حنونا لم يعرف ملامحهن رحمها لكن عرفته طرقات قلبها الكبير حالتها كانت تسوء شيئا فشيئا ،شح بصرها و هذا جعلها حبيسة فراشها كانت تتضايق من الحمية المفروضة عليها ،و إذا انتهزت غفلة من المحيطين بها كانت تخبىء رغيفا أبيضا تحت غطاءها و تأكله فيما بينها و بين نفسها عندما تخلو لفراشها . مرة صحوت ليلا فسمعتها في فراشها تناجي الله عزوجل ،كان كلامها من الروعة بمكان بحيث أنه سمرني مكاني حتى لا تنتبه و حتى أكمل سماع البوح الجميل الذي أبدعته ،وو الله لقد أجرت الدموع في عيوني،كانت تناجيه بصدق و لوعة و محبة و تسليم بقضاءه ذات ليلة تحسنت قليلا،طلبت العشاء في غرفة الطعام و ليس في سريرها لمحتها تختلس قطعة خبز أبيض ،تغاضيت و لا أدري لماذا .. روت لنا نكاتا و أغنية قروية قديمة من ذاكرتها التي لما تنطفىء بعد. انتهى العشاء الأخير و رحلت بعده بساعة. لم يستغرق موتها سوى ساعة قليلة ،كانت تبدو نائمة، مضوا بها عند ظهيرة اليوم التالي إلى مدفن العائلة في ضيعتنا، أوصت بذلك قبل موتها بأيام قليلة ،لعلها كانت تريد أن تنام في الأرض التي لطالما وضعت خدها عليها و هي طفلة و شابة و باحت لها بمكنوناتها ! بعد وفاتها بأيام ؟رن جرس الباب صرخت بأعلى صوتي: لا يفتحن الباب أحد ! أنا سأفتح ،هذه عمتي عائشة !
زوج العمة عائشة لم ينجب أبدا من زوجته الولود! لم تكن هي العقيم! | |
|
| |
ريم بدر الدين رئيس مجلس الإدارة / كاتبة
المساهمات : 26 تاريخ التسجيل : 07/11/2007
| موضوع: رد: حكايات من ضيعتنا السبت يونيو 06, 2009 3:06 am | |
| حكايات من ضيعتنا ...رحلة؟؟؟
نهار حافل قضيناه في أحد تلك البيوت الطينية ، اجتمعت العائلة على غداء قروي انتقل الجميع إلى غرفة المضافة حيث فرشت الأرض بالسجاد الوثير و على أطراف الغرفة كانت الأرائك و الوسائد لراحة الجلوس تصدرت الكبيرات في السن المجلس و بقيت الفتيات عند أطراف الغرفة يتبادلن ذات الحديث الهامس الممنوع غالبا أديرت أكواب الشاي على الجالسات و كان لا بد منه ليزيح الدهون الحيوانية المشبعة التي استقرت في أمعاءنا بدأ الناس يهوم بجناحيه الكبيرتين على أعين الرقيبات ...تبادلنا نظرات صامتة و انسحبنا واحدة تلو الأخرى في حركة مخابراتية متفق عليها و كان الاجتماع بصمت عند شجرة الجوز العتيقة كل منا قد حمل في يديه كيسا يحتوي نقولات ، حلويات، فاكهة و.........دف!!! غادرنا بمشي متلصص لا تكاد أطراف أصابعنا تلامس الأرض لئلا يحس بمغادرتنا أحد من النائمات ابتعدنا شيئا فشيئا عن مرابعنا العامرة فابتدأنا بغناء فردي أولا ثم ما لبث أن انضم الجميع له تباعا ليغدو غناء جماعيا تراه فقط في اجتماعات التنظيمات الثورية ... عند بوابة مربع آخر قابلتنا فتيات من لداتنا و قد حملن أكياسهن و كن في انتظارنا ليرافقننا الدرب و من بوابة لأخرى كانت القافلة تتنامى وكان لا بد لها من قائد فانتخبنا لها قائدا كان أول مهماته أن يحصي عددنا فكنا ثلاثة و عشرين شابا و شابة بما فيهم جنين في بطن والدته سرنا الهوينى في طريق الدرب الملكية و على منسرح النظر لا تكاد ترى إلا الخضرة مندغمة بسماء الصيف الزرقاء الصافية نسيم الأصيل يلطف حرارة الجو اللاهبة و إما مررنا على غدير نغترف من مائه غرفة بأيدينا لنروي ظمأنا أو لتبترد وجوهنا و أيدينا حيثما مررت في هذه البساتين ومددت يدك قطفت ثمارا صيفية دراق ...كرز...و لا نبالي ببقع تتسرب إلى ملابسنا دون انتباه مشارف القرية لاحت لنا الآن حيث المنظر مهيب جدا ...حجارة بركانية سوداء فيها مغاور و جحور و ليس من صوت إلا رجع صدى أصواتنا تكسر حدة الرهبة المكان يشيع بعضا من البرودة في دواخلنا لكن ما لبثت جرأة أتت من حداثة السن و العدد الكبير أن تولت زمام الأمور ..وضعنا أقدامنا على تلك الأرض على الرغم من يقيننا أنها ربما تحوي في ثناياها ضباعا أو ثعابين أو حتى جنيات إمعانا في جسارتنا جلسنا على الحجارة السوداء و أعدنا الغناء و من ثم ابتدأ نقاش عن نشوء هذه البقعة و فرضيات كثيرة وضعناها لنضع ثلاثة منها موضع الاحتمال الأقرب الذي عززه وجود اللقى الأثرية داهمنا اللون الوردي للسماء و عندها أدركنا كم تأخر بنا الوقت و عندها بدأ الخوف الفعلي من الضباع و الثعابين و الجنيات فهذا وقت نشاطها المفضل عدنا هذه المرة و لكن بصمت بعضنا كان يفكر في هيبة المكان البعض الآخر استرسل في حديث ثنائي هامس يستره سواد العتمة وصلنا إلى ظاهر بيوت الضيعة لنرى قافلة أخرى بالمشاعل تبحث عن الثلاثة و عشرين نفرا الذين هربوا قبيل العصر نصيبنا كان لوما و تأنيبا...و عشاء لذيذا | |
|
| |
| حكايات من ضيعتنا | |
|