العصفور الصداح
كم هو شقي القلب الطيب الذي يذوب كمدا لأبسط الأسباب,و كم هي قاسية الحياة التي تخطف شعلة النور ممن حولك فتخطف معها الإبتسامة على محياك.
عصفور وديع, ما إن تشرق الشمس من رحم السماء حتى يعلن وجوده بطريقته الخاصة, يتطاير هنا وهناك, يغرد بصوته الطروب, أسمعه من مكان بعيد, يظل يقترب ويقترب حتى ينتهي لأعماقي فأفيق نشيطة, مشرقة, وسعيدة لأني لا أملك ساعة منبهة تحيل نومي لترقب, وتجذبني من سباتي بفزع.
كثيرة هي المرات التي أحاوره فيها, وأنعم معه بحديث صاف, تلتف حوله همسات الألفة وتتسع في وجوده الإبتسامة
غرد لي فأنساني همي, ناجاني فاحتوى أنفاسي, وتراقصت معه دقات قلبي, عزف ألحان على أوتار الصمت فحول الصمت لسكون وأبدع من الوحشة صحبة مؤنسة, كم أغدق علي من دبدبات السرور وكم غزا التجهم على صفحة وجهي فأحاله بقدرة قادر لنقاء وحنان.
مسكين أيها الطائر, رثيت لكل الوجود, غردت لكل المخلوقات, أطربت كل الأسماع, فمن يرثي لحالك الآن؟ من يفتقدك الآن؟
حلمت أن أراك محلقا في السماء, سابحا بين السحاب, ناعما بالحرية وفرحا بين الأسراب, طائرا صداحا تفشي السلام,
أفتقدك يا صغيري, كم تمنيت أن أراك خارج أسوار هذا القفص, رافضا الأسر في الظلام,وناعما بالشمس, بأشعة الشمس تخترق جناحيك الملونين,
كم وددت أن أراك هناك, فوق أغصان الأشجار, في عش دافئ, في الأفق البعيد,
لكن آمالي لم تتحقق, ها أنت هنا اجتاحك الموت من كل الجهات, أرداك, تركك تهاجم الحديد لتعبر, لتهرب, فلم تستطع, تناتر ريشك حول القفص, لكن جسدك مازال بالداخل, حزين يتلوى, يتعذب
مسكين أنت يا صغيري طاردت الموت في أعالي السماء, في حدود البحار, في حر الشمس, وشدة البرد, وهاهو الآن يباغتك وأنت في أتعس حالتك, وأنت بين أسقف قفص قديم, صدئ, متداع ووحيد, اغتالك وانتزع الشعلة التي تضيئك وتضيء من حولك, فمن لي يا عصفوري بعدك؟