علي رشاد مؤسس المنتدى
المساهمات : 171 تاريخ التسجيل : 04/11/2007
| موضوع: نهج البردة لأمير الشعراء أحمد شوقي الإثنين نوفمبر 19, 2007 9:22 am | |
| ريـمٌ عـلى القـاعِ بيـن البـانِ والعلَمِ *أَحَـلّ سـفْكَ دمـي فـي الأَشهر الحُرُمِ
لمــا رَنــا حــدّثتني النفسُ قائلـةً* يـا وَيْـحَ جنبِكَ، بالسهم المُصيب رُمِي
جحدتهـا، وكـتمت السـهمَ فـي كبدي* جُـرْحُ الأَحبـة عنـدي غـيرُ ذي أَلـمِ
رزقـتَ أَسـمح مـا في الناس من خُلق* إِذا رُزقـتَ التمـاس العـذْر فـي الشِّيَمِ
يـا لائـمي في هواه - والهوى قدَرٌ -* لـو شـفَّك الوجـدُ لـم تَعـذِل ولم تلُمِِ
لقــد أَنلْتُــك أُذْنًــا غـير واعيـةٍ* ورُبَّ منتصـتٍ والقلـبُ فـي صَمـمِ
يـا نـاعس الطَّرْفِ; لاذقْتَ الهوى أَبدًا* أَسـهرْتَ مُضنـاك في حفظِ الهوى، فنمِ
أَفْـديك إِلفًـا، ولا آلـو الخيـالَ فِـدًى* أَغـراك بـالبخلِ مَـن أَغـراه بـالكرمِ
سـرَى، فصـادف جُرحًـا داميًا، فأَسَا* ورُبَّ فضــلٍ عـلى العشـاقِ للحُـلُمِ
مَــن المـوائسُ بانًـا بـالرُّبى وقَنًـا* اللاعبـاتُ برُوحـي، السـافحات دمِي?
الســافِراتُ كأَمثـالِ البُـدُور ضُحًـى يُغِـرْنَ* شـمسَ الضُّحى بالحَلْي والعِصَمِ
القــاتلاتُ بأَجفــانٍ بهــا سَــقَمٌ* وللمنيــةِ أَســبابٌ مــن السّــقَمِ
العــاثراتُ بأَلبــابِ الرجـال، ومـا* أُقِلـنَ مـن عـثراتِ الـدَّلِّ في الرَّسمِ
المضرمـاتُ خُـدودًا، أسـفرت، وَجَلتْ* عــن فِتنـة، تُسـلِمُ الأَكبـادَ للضـرَمِ
الحــاملاتُ لــواءَ الحسـنِ مختلفًـا* أَشــكالُه، وهـو فـردٌ غـير منقسِـمِ
مـن كـلِّ بيضـاءَ أَو سـمراءَ زُيِّنتا* للعيـنِ، والحُسـنُ فـي الآرامِ كالعُصُمِ
يُـرَعْنَ للبصـرِ السـامي، ومن عجبٍ* إِذا أَشَــرن أَســرن الليـثَ بـالعَنمِ
وضعـتُ خـدِّي، وقسَّـمتُ الفؤادَ ربًى* يَـرتَعنَ فـي كُـنُسٍ منـه وفـي أَكـمِ
يـا بنـت ذي اللِّبَـدِ المحـميِّ جانِبُـه* أَلقـاكِ فـي الغاب، أَم أَلقاكِ في الأطُمِ?
مـا كـنتُ أَعلـم حـتى عـنَّ مسـكنُه* أَن المُنــى والمنايـا مضـرِبُ الخِـيمِ
مَـنْ أَنبتَ الغصنَ مِنْ صَمصامةٍ ذكرٍ?* وأَخـرج الـريمَ مِـن ضِرغامـة قرِمِ?
بينـي وبينـكِ مـن سُـمْرِ القَنا حُجُب* ومثلُهــا عِفَّــةٌ عُذرِيــةُ العِصَـمِ
لـم أَغش مغنـاكِ إِلا في غضونِ كَرًى* مَغنــاك أَبعــدُ للمشـتاقِ مـن إِرَمِ
يـا نفسُ، دنيـاكِ تُخْـفي كـلَّ مُبكيـةٍ* وإِن بــدا لـكِ منهـا حُسـنُ مُبتسَـمِ
فُضِّـي بتقـواكِ فاهًـا كلمـا ضَحكتْ* كمــا يُفـضُّ أَذَى الرقشـاءِ بـالثَّرَمِ
مخطوبـةٌ - منـذُ كان الناسُ – خاطبَةٌ* مـن أَولِ الدهـر لـم تُـرْمِل، ولم تَئمِ
يَفنـى الزّمـانُ، ويبقـى مـن إِساءَتِها* جــرْحٌ بـآدم يَبكـي منـه فـي الأَدمِ
لا تحــفلي بجناهــا، أَو جنايتهــا* المـوتُ بـالزَّهْر مثـلُ المـوت بالفَحَمِ
كـم نـائمٍ لا يَراهـا، وهـي سـاهرةٌ* لــولا الأَمـانيُّ والأَحـلامُ لـم ينـمِ
طــورًا تمـدّك فـي نُعْمـى وعافيـةٍ* وتـارةً فـي قـرَار البـؤس والـوَصَمِ
كـم ضلَّلتـكَ، وَمَـن تُحْجَـبْ بصيرتُه* إِن يلـقَ صابـا يَـرِد، أَو عَلْقمـا يَسُمِ
يــا ويلتـاهُ لنفسـي! راعَهـا ودَهـا* مُسْـوَدَّةُ الصُّحْـفِ فـي مُبْيَضَّـةِ اللّمَمِ
ركَضْتهـا فـي مَـرِيع المعصياتِ، وما* أَخـذتُ مـن حِمْيَـةِ الطاعـات للتُّخَـمِ
هــامت عـلى أَثَـرِ اللَّـذاتِ تطلبُهـا* والنفسُ إِن يَدْعُهـا داعـي الصِّبـا تَهمِ
صــلاحُ أَمـرِك للأَخـلاقِ مرجِعُـه* فقـــوِّم النفسَ بــالأَخلاقِ تســتقمِ
والنفسُ مـن خيرِهـا فـي خـيرِ عافيةٍ* والنفسُ مـن شـرها فـي مَـرْتَعٍ وَخِمِ
تطغـى إِذا مُكِّـنَتْ مـن لـذَّةٍ وهـوًى* طَغْـيَ الجيـادِ إِذا عَضَّـت على الشُّكُمِ
إِنْ جَـلَّ ذَنبـي عـن الغُفـران لي أَملٌ* فـي اللـهِ يجـعلني فـي خـيرِ مُعتصَمِ
أُلقـي رجـائي إِذا عـزَّ المُجـيرُ على* مُفـرِّج الكـرب فـي الـدارينِ والغمَمِ
إِذا خــفضتُ جَنــاحَ الـذُّلِّ أَسـأَله* عِـزَّ الشـفاعةِ; لـم أَسـأَل سـوى أَمَمِ
وإِن تقـــدّم ذو تقــوى بصالحــةٍ* قــدّمتُ بيــن يديـه عَـبْرَةَ النـدَمِ
لـزِمتُ بـابَ أَمـير الأَنبيـاءِ، ومَـنْ* يُمْسِــكْ بمِفتــاح بـاب اللـه يغتنِـمِ
فكــلُّ فضـلٍ، وإِحسـانٍ، وعارفـةٍ* مــا بيــن مســتلمٍ منـه ومُلـتزمِ
علقـتُ مـن مدحـهِ حـبلاً أعـزُّ بـه* فـي يـوم لا عِـزَّ بالأَنسـابِ واللُّحَـمِ
يُـزرِي قَـرِيضِي زُهَـيْرًا حين أَمدحُه* ولا يقـاسُ إِلـى جـودي لـدَى هَـرِمِ
محــمدٌ صفـوةُ البـاري، ورحمتُـه* وبغيَـةُ اللـه مـن خَـلْقٍ ومـن نَسَـمِ
وصـاحبُ الحـوض يـومَ الرُّسْلُ سائلةٌ* متـى الـورودُ? وجـبريلُ الأَمين ظَمي
ســناؤه وســناهُ الشــمسُ طالعـةً* فـالجِرمُ فـي فلـكٍ، والضوءُ في عَلَمِ
قـد أَخطـأَ النجـمَ مـا نـالت أُبوَّتُـه* مـن سـؤددٍ بـاذخ فـي مظهَـرٍ سَنِم
نُمُـوا إِليـه، فـزادوا في الورَى شرَفًا* ورُبَّ أَصـلٍ لفـرع فـي الفخـارِ نُمي
حَــوَاه فـي سُـبُحاتِ الطُّهـرِ قبلهـم* نـوران قامـا مقـام الصُّلـبِ والرَّحِم
لمــا رآه بَحــيرا قــال: نعرِفُــه* بمـا حفظنـا مـن الأَسـماءِ والسِّـيمِ
سـائلْ حِراءَ، وروحَ القدس: هل* عَلما مَصـونَ سِـرٍّ عـن الإِدراكِ مُنْكَـتِمِ?
كــم جيئـةٍ وذهـابٍ شُـرِّفتْ بهمـا* بَطحـاءُ مكـة فـي الإِصبـاح والغَسَمِ
ووحشــةٍ لابــنِ عبـد اللـه بينهمـا* أَشـهى مـن الأُنس بالأَحبـاب والحشَمِ
يُسـامِر الوحـيَ فيهـا قبـل مهبِطـه* ومَــن يبشِّـرْ بسِـيمَى الخـير يَتَّسِـمِ
لمـا دعـا الصَّحْـبُ يستسقونَ من ظمإٍ* فــاضتْ يـداه مـن التسـنيم بالسَّـنِمِ
وظلَّلَتــه، فصــارت تسـتظلُّ بـه* غمامــةٌ جذَبَتْهــا خِــيرةُ الــديَمِ
محبــةٌ لرســولِ اللــهِ أُشــرِبَها* قعـائدُ الدَّيْـرِ، والرُّهبـانُ فـي القِمـمِ
إِنّ الشــمائلَ إِن رَقَّــتْ يكـاد بهـا* يُغْـرَى الجَمـادُ، ويُغْـرَى كلُّ ذي نَسَمِ
ونـودِيَ: اقـرأْ. - تعالى - اللـهُ قائلُهـا* لـم تتصـلْ قبـل مَـن قيلـتْ له بفمِ
هنــاك أَذَّنَ للرحــمنِ، فــامتلأَت* أَســماعُ مكَّــةَ مِـن قُدسـيّة النَّغـمِ
فـلا تسـلْ عـن قريش كيف حَيْرتُها?* وكـيف نُفْرتُهـا فـي السـهل والعَلمِ?
تسـاءَلوا عـن عظيـمٍ قـد أَلـمَّ بهـم* رمَــى المشــايخَ والولـدانَ بـاللَّممِ
يـا جـاهلين عـلى الهـادي ودعوتِـه* هـل تجـهلون مكـانَ الصـادِقِ العَلمِ?
لقَّبتمــوهُ أَميـنَ القـومِ فـي صِغـرٍ* ومــا الأَميــنُ عـلى قـوْلٍ بمتّهَـمِ
فـاق البـدورَ، وفـاق الأَنبيـاءَ، فكـمْ* بـالخُلْق والخَـلق مِـن حسْنٍ ومِن عِظمِ
جـاءَ النبيـون بالآيـاتِ، فـانصرمت* وجئتنــا بحــكيمٍ غــيرِ مُنصَـرمِ
آياتُــه كلّمــا طـالَ المـدَى جُـدُدٌ* يَــزِينُهنّ جــلالُ العِتــق والقِـدمِ
يكــاد فــي لفظــةٍ منـه مشـرَّفةٍ* يـوصِيك بـالحق، والتقـوى، وبالرحمِ
يـا أَفصـحَ النـاطقين الضـادَ قاطبـةً* حــديثُك الشّـهدُ عنـد الـذائقِ الفهِـمِ
حَـلَّيتَ مـن عَطَـلٍ جِـيدَ البيـانِ به* فـي كـلِّ مُنتَـثِر فـي حسـن مُنتظِمِ
بكــلِّ قــولٍ كـريمٍ أَنـت قائلُـه* تُحْـيي القلـوبَ، وتُحْـيي ميِّـتَ الهِممِ
سَــرَتْ بشــائِرُ بالهـادي ومولِـده* في الشرق والغرب مَسْرى النور في الظلمِ
تخـطَّفتْ مُهَـجَ الطـاغين مـن عربٍ* وطــيَّرت أَنفُسَ البـاغين مـن عجـمِ
رِيعـت لهـا شُرَفُ الإِيوان، فانصدعت* مـن صدمـة الحق، لا من صدمة القُدمِ
أَتيـتَ والنـاسُ فَـوْضَى لا تمـرُّ بهم* إِلاّ عـلى صَنـم، قـد هـام فـي صنمِ
والأَرض مملــوءَةٌ جـورًا، مُسَـخَّرَةٌ* لكــلّ طاغيـةٍ فـي الخَـلْق مُحـتكِمِ
مُسَـيْطِرُ الفـرْسِ يبغـى فـي رعيّتـهِ* وقيصـرُ الـروم مـن كِـبْرٍ أَصمُّ عَمِ
يُعذِّبــان عبــادَ اللــهِ فـي شُـبهٍ* ويذبَحــان كمــا ضحَّــيتَ بـالغَنَمِ
والخــلقُ يَفْتِــك أَقـواهم بـأَضعفِهم *كــاللَّيث بـالبَهْم، أَو كـالحوتِ بـالبَلَمِ
أَســرَى بـك اللـهُ ليـلاً، إِذ ملائكُـه* والرُّسْـلُ في المسجد الأَقصى على قدَمِ
لمــا خـطرتَ بـه التفُّـوا بسـيدِهم* كالشُّـهْبِ بـالبدرِ، أَو كـالجُند بـالعَلمِ
صـلى وراءَك منهـم كـلُّ ذي خـطرٍ* ومــن يفُــز بحــبيبِ اللـه يـأْتممِ
جُـبْتَ السـمواتِ أَو مـا فـوقهن بهم* عـــلى منــوّرةٍ دُرِّيَّــةِ اللُّجُــمِ
رَكوبـة لـك مـن عـزٍّ ومـن شرفٍ* لا فـي الجيـادِ، ولا فـي الأَيْنُق الرسُمِ
مَشِــيئةُ الخـالق البـاري، وصَنعتُـه* وقــدرةُ اللــه فـوق الشـك والتُّهَـمِ
حتى بلغتَ سماءً لا يُطارُ لها * على جَناحٍ، ولا يُسْعَى على قَدمِ
وقيل: كلُّ نبيٍّ عند رتبتِه * ويا محمدُ، هذا العرشُ فاستلمِ
خطَطت للدين والدنيا علومَهما * يا قارئَ اللوح، بل يا لامِسَ القَلمِ
أَحطْتَ بينهما بالسرِّ، وانكشفتْ * لك الخزائنُ من عِلْم، ومن حِكمِ
وضاعَفَ القُربُ ما قُلِّدْتَ من مِنَنٍ * بلا عِدادٍ، وما طُوِّقتَ من نِعمِ
سلْ عصبةَ الشِّركِ حولَ الغارٍ سائمةً * لولا مطاردةُ المختار لم تُسمِ
هل أبصروا الأَثر الوضَّاءَ، أَم سمِعوا * همْسَ التسابيحِ والقرآن من أَمَمِ?
وهل تمثّل نسجُ العنكبوتِ لهم * كالغابِ، والحائماتُ الزُّغْبُ كالرخمِ?
فأَدبروا، ووجوهُ الأَرضِ تلعنُهم * كباطلٍ من جلالِ الحق منهزِمِ
لولا يدُ اللهِ بالجارَيْنِ ما سلِما * وعينُه حولَ ركنِ الدين; لم يقمِ
توارَيا بجَناح اللهِ، واستترَا * ومن يضُمُّ جناحُ الله لا يُضَمِ
يا أَحمدَ الخيْرِ، لي جاهٌ بتسْمِيَتي * وكيف لا يتسامى بالرسولِ سمِي?
المادحون وأَربابُ الهوى تَبَعٌ * لصاحبِ البُرْدةِ الفيحاءِ ذي القَدَمِ
مديحُه فيك حبٌّ خالصٌ وهوًى * وصادقُ الحبِّ يُملي صادقَ الكلمِ
الله يشهدُ أَني لا أُعارضُه * من ذا يعارضُ صوبَ العارضِ العَرِمِ?
وإِنَّما أَنا بعض الغابطين، ومَن * يغبِطْ وليَّك لا يُذمَمْ، ولا يُلَمِ
هذا مقامٌ من الرحمنِ مُقتَبسٌ * تَرمي مَهابتُه سَحْبانَ بالبَكمِ
البدرُ دونكَ في حُسنٍ وفي شَرفٍ * والبحرُ دونك في خيرٍ وفي كرمِ
شُمُّ الجبالِ إِذا طاولتَها انخفضت * والأَنجُمُ الزُّهرُ ما واسمتَها تسِمِ
والليثُ دونك بأْسًا عند وثبتِه * إِذا مشيتَ إِلى شاكي السلاح كَمِي
تهفو إِليكَ - وإِن أَدميتَ حبَّتَها * في الحربِ - أَفئدةُ الأَبطالِ والبُهَمِ
محبةُ اللهِ أَلقاها، وهيبتُه * على ابن آمنةٍ في كلِّ مُصطَدَمِ
كأَن وجهَك تحت النَّقْع بدرُ دُجًى * يضيءُ مُلْتَثِمًا، أَو غيرَ مُلتثِمِ
بدرٌ تطلَّعَ في بدرٍ، فغُرَّتُه * كغُرَّةِ النصر، تجلو داجيَ الظلَمِ
ذُكِرْت باليُتْم في القرآن تكرمةً * وقيمةُ اللؤلؤ المكنونِ في اليُتمِ
اللهُ قسّمَ بين الناسِ رزقَهُمُ * وأَنت خُيِّرْتَ في الأَرزاق والقِسمِ
إِن قلتَ في الأَمرِ: "لا"، أَو قلتَ فيه: "نعم" * فخيرَةُ اللهِ في "لا" منك أَو "نعمِ"
أَخوك عيسى دَعَا ميْتًا، فقام لهُ * وأَنت أَحييتَ أَجيالاً مِن الرِّممِ
والجهْل موتٌ، فإِن أُوتيتَ مُعْجِزةً * فابعثْ من الجهل، أَو فابعثْ من الرَّجَمِ
قالوا: غَزَوْتَ، ورسْلُ اللهِ ما بُعثوا * لقتْل نفس، ولا جاءُوا لسفكِ دمِ
جهلٌ، وتضليلُ أَحلامٍ، وسفسطةٌ * فتحتَ بالسيفِ بعد الفتح بالقلمِ
لما أَتى لكَ عفوًا كلُّ ذي حَسَبٍ * تكفَّلَ السيفُ بالجهالِ والعَمَمِ
والشرُّ إِن تَلْقَهُ بالخيرِ ضِقتَ به * ذَرْعًا، وإِن تَلْقَهُ بالشرِّ يَنحسِمِ
سَل المسيحيّةَ الغراءَ: كم شرِبت * بالصّاب من شَهوات الظالم الغَلِمِ
طريدةُ الشركِ، يؤذيها، ويوسعُها * في كلِّ حينٍ قتالاً ساطعَ الحَدَمِ
لولا حُماةٌ لها هبُّوا لنصرَتِها * بالسيف; ما انتفعتْ بالرفق والرُّحَمِ
لولا مكانٌ لعيسى عند مُرسِلهِ * وحُرمَةٌ وجبتْ للروح في القِدَمِ
لَسُمِّرَ البدَنُ الطُّهرُ الشريفُ على * لَوْحَيْن، لم يخشَ مؤذيه، ولم يَجمِِ
جلَّ المسيحُ، وذاقَ الصَّلبَ شانِئهُ * إِن العقابَ بقدرِ الذنبِ والجُرُمِ
أَخُو النبي، وروحُ اللهِ في نُزُل * فُوقَ السماءِ ودون العرشِ مُحترَمِ
علَّمْتَهم كلَّ شيءٍ يجهلون به * حتى القتالَ وما فيه من الذِّمَمِ
دعوتَهم لِجِهَادٍ فيه سؤددُهُمْ * والحربُ أُسُّ نظامِ الكونِ والأُممِ
لولاه لم نر للدولاتِ في زمن * ما طالَ من عمد، أَو قَرَّ من دُهُمِ
تلك الشواهِدُ تَتْرَى كلَّ آونةٍ * في الأَعصُر الغُرِّ، لا في الأَعصُر الدُّهُمِ
بالأَمس مالت عروشٌ، واعتلت سُرُرٌ * لولا القذائفُ لم تثْلَمْ، ولم تصمِ
أَشياعُ عيسى أَعَدُّوا كلَّ قاصمةٍ * ولم نُعِدّ سِوى حالاتِ مُنقصِمِ
مهما دُعِيتَ إِلى الهيْجَاءِ قُمْتَ لها * ترمي بأُسْدٍ، ويرمي اللهُ بالرُّجُمِ
على لِوَائِكَ منهم كلُّ مُنتقِمٍ * لله، مُستقتِلٍ في اللهِ، مُعتزِمِ
مُسبِّح للقاءِ اللهِ، مُضطرِمٍ * شوقاً، على سابحٍ كالبرْقِ مضطرِمِ
لو صادفَ الدَّهرَ يَبغِي نقلةً، * فرمى بعزمِهِ في رحالِ الدهرِ لم يَرِمِ
بيضٌ، مَفاليلُ من فعلِ الحروبِ بهم * من أَسْيُفِ اللهِ، لا الهندِية الخُذُمِ
كم في الترابِ إِذا فتَّشت عن رجلٍ * من ماتَ بالعهدِ، أَو من مات بالقسَمِ
لولا مواهبُ في بعضِ الأَنام لما * تفاوت الناسُ في الأَقدار والقِيَمِ
شريعةٌ لك فجرت العقولَ بها * عن زاخِرٍ بصنوفِ العلم ملتطِمِ
يلوحُ حولَ سنا التوحيدِ جوهرُها * كالحلْي للسيف أَو كالوشْي للعَلمِ
غرّاءُ، حامت عليها أَنفسٌ، ونُهًى * ومن يَجدْ سَلسَلاً من حكمةٍ يَحُمِ
نورُ السبيل يساس العالَمون بها * تكفَّلتْ بشباب الدهرِ والهَرَمِ
يجري الزمّانُ وأَحكامُ الزمانِ على * حُكم لها، نافِذٍ في الخلق، مُرْتَسِمِ
لمَّا اعْتلَت دولةُ الإِسلامِ واتسَعت * مشتْ ممالِكُهُ في نورِها التَّممِ
وعلَّمتْ أُمةً بالقفر نازلةً * رعْيَ القياصرِ بعد الشَّاءِ والنَّعَمِ
كم شَيَّد المصلِحُون العاملون بها * في الشرق والغرب مُلكًا باذِخَ العِظَمِ
للعِلم، والعدلِ، والتمدينِ ما عزموا * من الأُمور، وما شدُّوا من الحُزُمِ
سرعان ما فتحوا الدنيا لِملَّتِهم * وأَنهلوا الناسَ من سَلسالها الشَّبِمِ
ساروا عليها هُداةَ الناس، فَهْي بهم * إِلى الفلاحِ طريقٌ واضحُ العَظَمِ
لا يهدِمُ الدَّهرُ رُكنًا شاد عدلُهُمُ * وحائط البغي إِن تلمسْهُ ينهدِمِ
نالوا السعادةَ في الدَّارين، واجتمعوا * على عميم من الرضوان مقتسمِ
دعْ عنك روما، وآثِينا، وما حَوَتا * كلُّ اليواقيت في بغدادَ والتُّوَمِ
وخلِّ كِسرى، وإِيوانًا يدِلُّ به * هوى على أَثَرِ النيران والأيُمِ
واتْرُكْ رعمسيسَ، إِن الملكَ مَظهرهُ * في نهضة العدل، لا في نهضة الهرَمِ
دارُ الشرائع روما كلّما ذُكرَتْ * دارُ السلام لها أَلقتْ يدَ السَّلَمِ
ما ضارَعَتها بيانًا عند مُلْتَأَم * ولا حَكَتها قضاءً عند مُختصَمِ
ولا احتوت في طِرازٍ مِن قياصِرها * على رشيدٍ، ومأْمونٍ، ومُعتصِمِ
من الذين إِذا سارت كتائبُهم * تصرّفوا بحدود الأَرض والتخُمِ
ويجلسونَ إِلى علمٍ ومَعرفةٍ * فلا يُدانَوْن في عقل ولا فَهَمِ
يُطأْطئُ العلماءُ الهامَ إِن نَبَسُوا * من هيبةِ العلْم، لا من هيبة الحُكُمِ
ويُمطِرون، فما بالأَرضِ من مَحَلٍ * ولا بمن بات فوق الأَرضِ من عُدُمِ
خلائفُ الله جلُّوا عن موازنةٍ * فلا تقيسنّ أَملاكَ الورى بهمِ
مَنْ في البرية كالفاروق مَعْدَلَةً? * وكابن عبد العزيز الخاشعِ الحشمِ?
وكالإِمام إِذا ما فَضَّ مزدحمًا * بمدمع في مآقي القوم مزدحمِ
الزاخر العذْب في علْم وفي أَدبٍ * والناصر النَّدْب في حرب وفي سلمِ?
أَو كابن عفّانَ والقرآنُ في يدِهِ * يحنو عليه كما تحنو على الفُطُمِ
ويجمع الآي ترتيبًا وينظمُها * عقدًا بجيد الليالي غير منفصِمِ?
جُرحان في كبدِ الإِسلام ما التأَما * جُرْحُ الشهيد، وجرحٌ بالكتاب دمي
وما بلاءُ أَبي بكر بمتَّهم * بعد الجلائل في الأَفعال والخِدمِ
بالحزم والعزم حاطَ الدين في محنٍ * أَضلَّت الحلم من كهلٍ ومحتلمِ
وحِدْنَ بالراشد الفاروق عن رشدٍ * في الموت، وهو يقينٌ غير منبَهمِ
يجادِلُ القومَ مُسْتَلاًّ مهنَّدَه * في أَعظم الرسْلِ قدرًا، كيف لم يدمِ?
لا تعذلوه إِذا طاف الذهولُ به * مات الحبيبُ، فضلَّ الصَّبُّ عن رَغَمِ
يا ربِّ صَلِّ وسلِّم ما أَردتَ على * نزيل عرشِك خيرِ الرسْل كلِّهمِ
مُحيي الليالي صلاةً، لا يقطِّعُها * إِلاَّ بدمع من الإِشفاق مُنسجمِ
مسبِّحًا لك جُنْحَ الليل، محتملاً * ضُرًّا من السُّهد، أَو ضُرًّا من الورَمِ
رضيَّة نفسُه، لا تشتكي سأمًا * وما مع الحبِّ إِن أَخلصت مِن سَأَمِ
وصلِّ ربِّي على آلٍ لهُ نُخَبٍ * جعلتَ فيهم لواءَ البيتِ والحرمِ
بيضُ الوجوه، ووجهُ الدهر ذو حَلَكٍ * شُمُّ الأُنوف، وأَنفُ الحادثات حمي
وأَهد خيرَ صلاةٍ منك أَربعةً * في الصحب، صُحبتُهم مَرْعيَّةُ الحُرَمِ
الراكبين إِذا نادى النبيُّ بهم * ما هال من جَلَلٍ، واشتد من عَمَمِ
الصابرين ونفسُ الأَرض واجفةٌ * الضاحكين إِلى الأَخطار والقُحَمِ
يا ربِّ، هبتْ شعوبٌ من منيّتها * واستيقظت أُمَمٌ من رقْدة العدمِ
سعدٌ، ونحسٌ، ومُلكٌ أَنت مالِكه * تُديلُ مِنْ نِعَم فيه، ومِنْ نِقَمِ
رأَى قضاؤك فينا رأْيَ حكمتِه * أَكرِمْ بوجهك من قاضٍ ومنتقمِ
فالطُفْ لأَجلِ رسولِ العالمين بنا * ولا تزدْ قومَه خسفًا، ولا تُسمِ
يا ربِّ، أَحسنت بَدءَ المسلمين به * فتمِّم الفضلَ، وامنحْ حُسنَ مُخْتَتَمِ | |
|